جاري التحميل
جاري التحميل
تُشكّل المناطق الساحلية مناطق ديناميكية وانتقالية تلتقي فيها مياه البحر باليابسة، وبحسب الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) يُعرّف الساحل بأنه: "المنطقة من اليابسة التي تقع مباشرة بعد البحر وتغطي المنطقة التي تتأثر مباشرة بالمحيط، وتشمل المنحدرات والسهول الساحلية والمدرجات البحرية شديدة الانحدار والمستنقعات وأنظمة البحيرات".
ولا تخفى أهمية المناطق الساحلية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي على أحد، إلا أن دورها في التخفيف من آثار تغير المناخ قد لا يكون واضحًا لدى الجميع، إذ تنظّم المحيطات والبحار المناخ العالمي من خلال تحديد هطول الأمطار والجفاف والفيضانات، وتخزين ثاني أكسيد الكربون، حيث يتم تداول حوالي (83%) من دورة الكربون العالمية عبر مياه البحار، كما امتصت المحيطات حوالي ثلث كمية ثاني أكسيد الكربون وحوالي (90%) من الحرارة الزائدة الناتجة عن الأنشطة عن البشرية خلال الـ(200) عام الماضية.
ويشمل الساحل في لبنان (3) خلجان، و(12) رأسًا بحريًا، ومجموعة من دلتا الأنهار، و(80%) من الخط الساحلي اللبناني (صخري) بينما (20%) منه رملي. وعادة ما ترتبط الشواطئ الصخرية بالموائل التي تُسمى بـالمصاطب الفيرميتيدية (Vermetid Terraces) والتي تعتبر موطنًا بيئيًا للعديد من الأنواع الحية النباتية والحيوانية.
ومن جانب آخر تشمل الموائل الممتدة على طول السواحل اللبنانية جزرًا صخرية مثل: (محمية جزر النخل الطبيعية)، ومنحدرات رملية وجيرية مثل (جبيل، رأس البياضة، رأس الشقعة)، ومجموعة من الكثبان الرملية الساحلية مثل (بيروت، عمشيت) وغيرها.
لمحة عن وضع المناطق الساحلية في لبنان:
تتعرض المناطق الساحلية في لبنان للعديد من التهديدات الناتجة عن الأنشطة البشرية، أبرزها التمدد العمراني على الخط الساحلي، فبحسب تقنية نظام المعلومات الجغرافية (GIS) فإن الساحل اللبناني اليوم يمتد لأكثر من (370 كم) بدلًا من (225كم)، وذلك نتيجة لردم البحر الحاصل خلال الخمسين عامًا الماضية، الأمر الذي يفسر عيش مجموعة من اللبنانيين على السواحل ووجود العديد من الاستثمارات في البُنى التحتية الذي يتم إجراؤه في هذه المناطق، إذ تضم المناطق الساحلية اللبنانية حوالي (71%) من إجمالي الفنادق والمنتجعات، وتحتل (51% من الصناعات) ما نسبته (10%) من مساحة الساحل في المناطق المحيطة بكلّ من بيروت وطرابلس وشكا وسبلين والشويفات والذوق، ومن المتوقع أن تتأثر هذه البُنى التحتية سلبيًا نتيجة تغير المناخ، والذي قد يؤدي إلى إغراق هذه المناطق نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر، والعواصف الشديدة، وتدمير العديد من الموائل والتغيرات في الخصائص الكيميائية والفيزيائية في مياه البحر.
وقد أشارت دراسة أجراها (برنامج الموارد البحرية والساحلية – معهد الدراسات البيئية) أن الشواطئ الرملية والحصوية في لبنان قد تراجعت نتيجة التآكل الشديد، كما تمّت إضافة أكثر من (10كم2) على طول الشاطئ اللبناني عن طريق ردم البحر عام (2016)، وتُعزى هذه التغيرات إلى مجموعة من الأنشطة غير القانونية مثل: استخراج الرمال والتنمية الساحلية الفوضوية، والنقص في تطبيق القوانين النافذة.
كما أكّدت الدراسة إلى أن المناطق الساحلية في لبنان تُعاني من نقصٍ في الرواسب على نحوٍ متزايد، وذلك نتيجة بناء السدود على طول الأنهار والوديان، وتحويل معظم الأنهار الساحلية إلى مياهٍ للشرب والري مما أدى إلى تغيير واسع النطاق في إمدادات الرواسب إلى الشواطئ، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى المزيد من التآكل والتغيير في الشبكات الغذائية، ومن المتوقع أن تزداد حدّة هذه التأثيرات بسبب تغير المناخ.
وبحسب التقرير السنوي لعام (2023) الصادر عن المجلس الوطني للبحوث العلمية فإن (22) موقعًا بحريًا في لبنان صالح للسباحة من أصل (37)، إذ تعاني (6) مواقع (طرابلس، جونية، الضبية، أنطلياس، المنارة وشاطئ الرملة الشعبي في بيروت) من التلوث بشكلٍ كبير نتيجة احتوائها على كميات كبيرة من البكتيريا البرازية.
بينما صنّف التقرير (9) مواقع (عكار/ القليعات، المنية/ شاطئ ذو منفعة خاصة، طرابلس/ الميناء مقابل جزيرة عبدالوهاب، بيروت/ عين المريسة، خلدة/ شاطئ ذو منفعة خاصة، صيدا/ الشاطئ الشعبي، الغازية/ الشاطئ الشعبي، الصرفند/ الشاطئ الشعبي، صور/ شاطئ المطاعم) بأنها حذرة إلى درجة غير مأمونة إذ تعتبر نسب التلوث البكتيري فيها متوسطة نظرًا لتعرضها للتلوث بشكل متقطع أو ظرفي، كما أشار التقرير بأن النفايات الصلبة وخاصة البلاستيكية تغزو الشواطئ اللبنانية.
وبناءً على ذلك يمكن القول إن المناطق الساحلية في لبنان عرضة للعديد من المخاطر والتهديدات متعددة المصادر، ومن المتوقع أن يساهم تغير المناخ في زيادة الأمر سوءًا.