جاري التحميل
جاري التحميل
يعتمد (3) من كلّ (4) يمنيين على الزراعة والثروة الحيوانية للبقاء على قيد الحياة.. كما يُقيم أكثر من (61%) من سكان اليمن في مناطق ريفية وترتبط سُبل عيشهم بشكلٍ مباشر باستقرار الظروف المناخية.
وفي خضم ما يشهده اليمن من أزمة إنسانية تجاوز عمرها اليوم (12) عامًا، تأتي تأثيرات تغير المناخ لتجعل ما يشهده الشعب اليمني من نزاع وحالة من عدم الأمن والاستقرار أكثر سوءًا..
فبحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، فقد تأثر حوالي (180 ألف نسمة) جرّاء التغيرات المناخية المفاجئة مثل الأمطار الغزيرة، والعواصف الشديدة، والفيضانات التي اجتاحت مجموعة من المحافظات اليمنية منذ مطلع عام (2023).
وعلى الرغم من غزارة الأمطار، إلا أن اليمن يواجه أزمة متفاقمة في المياه كما يُعد من أكثر دول العالم شُحًّا في المياه، الأمر الذي يُهدد سُبل العيش للمواطنين اليمنيين من خلال تأثيره على قطاع الأغذية والزراعة.
وفي الأشهر الأخيرة، أحدثت الفيضانات دماراً في القطاع الزراعي في اليمن، مما أدى إلى تدمير المحاصيل ونشر مخلّفات الحرب الخطرة في المناطق الزراعية، وهذا يزيد من تفاقم أزمة الأمن الغذائي الحادة بالفعل في البلاد، حيث يكافح ما يقرب من (19 مليون) يمني لتلبية متطلباتهم الغذائية اليومية، مما يمثل زيادة كبيرة في أعداد المتضررين الذي كانت في العام الماضي تبلغ (16.2 مليون) فرد، وتمثل هذه الإحصائية المثيرة للقلق ما يقرب من (63%) من إجمالي سكان البلاد، مقارنة بـ (53%) في العام السابق.m
ويدفع تقاطع التحديات المتعلقة بالمناخ والصراع المستمر المزيد من الأسر إلى الفرار من منازلهم، مع نزوح أكثر من (3.3 مليون) يمني حتى الآن. ويفر الكثيرون من الصراع ليجدوا أراضٍ غير مناسبة للزراعة، وغالباً ما يخفون فيها مُخلفات المتفجرات، مما يجعل الزراعة محفوفة بالمخاطر.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن ندرة المياه على نطاق واسع والتي تفاقمت بسبب الصراع الطويل وسنوات الجفاف المتتالية تعني أن (17.8 مليون) شخص فقط يحصلون على المياه الصالحة للشرب في اليمن، ونتيجة لذلك، يضطر عدد متزايد من المزارعين إلى التخلي عن مساعيهم الزراعية.
ولا يواجه اليمن مشكلة ندرة المياه فحسب، بل يعاني أيضاً من تناقص خزانات المياه الجوفية، حيث تتجاوز عمليات السحب الحالية التغذية السنوية بمقدار الثلث، مما يؤدي إلى عجز قدره (1.4 مليار متر مكعب)، وهذا النقص الكبير يُعرض الإنتاج الزراعي المستقبلي في اليمن للخطر بشكل مباشر، خاصة وأنه في جميع أنحاء اليمن لا يوجد تجديد طبيعي للمياه إلا في حده الأدنى، مما يدفع إلى النظر في طرق إعادة تغذية المياه الجوفية الاصطناعية، مثل زيادة تجديد طبقة المياه الجوفية من خلال تحويل المياه عبر القنوات، إذ تؤدي مساعي إعادة التغذية دوراً محورياً في التخفيف من استنزاف المياه الجوفية والتخفيف من الآثار السلبية لتغير المناخ.
وتستهلك الأنشطة الزراعية نسبة ضخمة تبلغ (90%) من المياه المسحوبة في اليمن، وهي نسبة أعلى بكثير من المتوسط العالمي البالغ (70%)، ومن الجدير بالذكر أن ما يقرب من (30%) من هذا الاستخدام الهائل للمياه يُعزى إلى زراعة القات، المشهورة بحاجتها الكبيرة للمياه، وتؤدي الاحتياجات المائية المكثفة لزراعة القات إلى تفاقم ندرة المياه عن طريق استنزاف خزانات المياه السطحية والجوفية في اليمن.
وتبدو آفاق المستقبل الزراعي في اليمن قاتمة، إذ تعتمد الإنتاجية الزراعية في اليمن بشكل كبير على هطول الأمطار، والتي تتركز في المقام الأول في المناطق المرتفعة والساحلية، في حين تبقى المناطق الداخلية جافة. وتشير الدراسات الحديثة إلى أن أنماط هطول الأمطار المقبلة في اليمن قد تكون أقل ملاءمة للإنتاجية الزراعية.
وختامًا يمكننا القول إن تعرض اليمن للأحداث المتطرفة الناجمة عن تغير المناخ يزيد من تفاقم وضعه كواحدة من أكثر الدول التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكذلك على مستوى العالم، مما يجعله بحاجةٍ مُلّحة لتدخلات دولية وخطط ومساهمات ومساعدات تجعله يسير على المسار الصحيح ليحافظ على أمنه الزراعي والغذائي.