جاري التحميل
جاري التحميل
على مدار التاريخ كانت الملابس طريقة تعبير للشخص عن ذاته وهويته، كما أنها تحمل دلالاتٍ عن الحضارات والثقافات، مما جعل صناعة الملابس تحتل مكانة في غاية الأهمية منذ أمدٍ طويل، وتزايدت أهمية هذه الصناعة في ضوء تغير أساليب الاستهلاك والشراء، إذ أصبحت عملية التسوق أسرع وأكثر انتشارًا، حيث يمكنك أن تتسوق من أيّ متجرٍ في العالم وأنت في صالة منزلك، ليظهر مفهوم (الموضة السريعة) ويأخذ أبعادًا عالمية لما له من تأثير قد يغفله البعض.
الموضة السريعة (Fast Fashion) للأزياء هي: "مزيج من الإنتاج عالي السرعة مع التتبع الإلكتروني للمبيعات والتصنيع في الوقت المناسب الذي يُتيح تحويل التصميم أو العينة إلى منتج نهائي في أقل من ثلاثة أسابيع"، ويكون هذا المنتج عبارة عن ملابس، أو أحذية، أو اكسسوارات أو حتى منتجاتٍ للتجميل.
ومن الجدير بالذكر هنا بأن هناك نوعين رئيسيين من الألياف يسيطران بشكل كبير على هذا القطاع، وهما: البوليستر والقطن، واللذين يشكلان معًا حوالي أكثر من (80%) من الألياف المستخدمة في صناعة الملابس، وبالنسبة للبوليستر فيتم اشتقاقه من مواد اصطناعية من النفط والفحم والغاز الطبيعي، وهي مواد غير متجددة، وتُعد أيضًا مصدرًا رئيسيًا للمواد البلاستيكية المتدفقة في المحيطات، وذلك يفسر إلى حدٍّ ما الأسعار الزهيدة التي تُعرض بها هذه السلع لتكوّن عروضًا مُغرية يصعب رفضها بغض النظر عن مدى الجودة أو العمر الذي ستعيشه معنا، وحتى عن تأثيرها البيئي.
أما بالنسبة للقطن فإنتاجه يتطلب كميات هائلة من المياه، كما تتطلب زراعته استخدام نسبة كبيرة من استخدام المبيدات الحشرية على مستوى العالم.
وبالتالي تُعد الموضة السريعة (Fast Fashion) أحد أبرز مسببات ارتفاع نسب الاستهلاك لأنها تشجع على شراء الملابس منخفضة التكلفة وقصيرة العمر.
وتؤكد العديد من الدراسات والتقارير بأن هذا القطاع يُخلّف بصمة كربونية وبيئية كبيرة خلال مراحل إنتاج المواد الخام، مرورًا بالتصنيع والتوزيع، وحتى خلال استخدام المستهلك وإعادة التدوير أو التخلص منها على نحوٍ لا يمكن تجاهله، إذ أشارت دراسة صادرة عن خدمة الأبحاث في البرلمان الأوروبي (EPRS) حول مدى التأثير البيئي لصناعة النسيج والملابس بأن الملابس وحدها مسؤولة عن حوالي (2-10%) عن التأثير البيئي الناجم عن استهلاك الاتحاد الأوروبي.
ومن جانبٍ آخر يُشكل التخلص من الملابس مشكلة عالمية، إذ أن حوالي (57%) منها يتم التخلص منه في مكبّات النفايات التي تُشكّل بدورها أزمة بيئية أخرى.
ومن الجدير بالذكر هنا أن المسؤولية البيئية لهذا القطاع تقع على عاتق كل من المنتج والمستهلك على حدٍّ سواء، إذ يمكن لمنتجي الموضة السريعة اتخاذ العديد من التدابير للحد من الأضرار البيئية، مثل إعطاء الأولوية للمصادر المستدامة للمواد، واختيار الأقمشة الصديقة للبيئة، واعتماد ممارسات الاقتصاد الدائري لتقليل النفايات، إلى جانب تنفيذ عمليات إنتاج تتسم بالكفاءة في استخدام الطاقة وتبني التكنولوجيات التي تقلل من استهلاك المياه والتلوث أثناء التصنيع.
بالإضافة إلى ذلك، فإن إطالة عمر المنتجات من خلال التصميم المتين وتشجيع إمكانية الإصلاح يمكن أن يساعد في التخفيف من طبيعة الموضة السريعة التي يمكن التخلص منها، ومن الجدير بالذكر هنا أن التحول نحو نهج أكثر استدامة وأخلاقية يتطلب إعادة تقييم شاملة لدورة الإنتاج والاستهلاك بأكملها داخل عالم صناعة الموضة السريعة.
أما بالنسبة للمستهلكين فهم يلعبون دورًا حاسمًا في التخفيف من الأضرار البيئية الناجمة عن قطاع الموضة السريعة، وذلك من خلال اتخاذ خيارات مستنيرة ومستدامة، تمكّنهم من المساهمة في الحد من التأثير السلبي لهذه الصناعة على الكوكب، ويشمل ذلك تفضيل الجودة على الكمية، واختيار الملابس التي يمكن أن تعيش معهم عمرًا طويلًا، ودعم العلامات التجارية التي تعطي الأولوية للممارسات الأخلاقية والصديقة للبيئة.