جاري التحميل
جاري التحميل
لطالما شغلت شجرة الزيتون مكانة مميزة في وجدان العالم، فهي أكثر من مجرد شجرة، إذ تُعد رمزًا عالميًا للسلام.. والحكمة.. والوفاق والوئام منذ قديم الزمان، وبالتالي فإن أهميتها لا تقتصر على الدول أو المناطق التي تنمو فيها هذه الشجرة فحسب، بل تمتد إلى كافة أنحاء العالم.
"يتوقف البحر الأبيض المتوسط عند المكان الذي لا تنمو فيه شجرة الزيتون"
دوهاميل/ طبيب وشاعر فرنسي
وتعود أصول شجرة الزيتون البرية إلى آسيا الصغرى، حيث تتواجد فيها بكثرة وتشكّل غاباتٍ كثيفة، وعلى الرغم من وجود العديد من الفرضيات حول أصولها، إلا أن (المجلس الدولي للزيتون) أشار بأن الموطن الأصلي لها هو حوض البحر المتوسط بأكمله وأن آسيا الصغرى بالفعل هي موطن هذه الشجرة المزروعة منذ حوالي (6 آلاف عام).
ويُشير التاريخ بأن هذه الشجرة كان لها حضورٌ واسع في العديد من الحضارات، ففي القرن (16) قبل الميلاد بدأ الفينيقيون بزراعتها في الجزر اليونانية وتطورت زراعتها واكتسبت أهمية كبيرة، وفي القرن (4) قبل الميلاد أصدر رجل القانون الأثيني (سولون) مرسومًا ينظّم زراعة هذه الشجرة.
وفي القرن (6) قبل الميلاد انتشرت شجرة الزيتون في دول البحر الأبيض المتوسط ووصلت إلى كلّ من طرابلس وتونس وجزيرة صقلية، ومن بعدها إلى جنوب إيطاليا، ومن جانبٍ آخر فقد حرص الرومان على توسيع زراعة الشجرة في الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، كما استخدموها سلاحًا سلميًا في غزواتهم بهدف توطين الشعوب.
ويُقال بأن الأمازيغ عرفوا كيفية تطعيم أشجار الزيتون البرية، وقاموا بتطوير زراعتها في كافة الأراضي التي احتلوها. ومن الجدير بالذكر هنا أن شجرة الزيتون تُعتبر من الأشجار الأطول عمرًا، إذ يبلغ متوسط عمرها (500 عام) تقريبًا، وقد يتجاوز بعضها (1000 عام).
ومن الجدير بالذكر هنا أن هناك حوالي (7.700.000 هكتارًا من أشجار الزيتون) في حوض البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي فإنها تؤدي دورًا محوريًا في الحياة البيئية والاقتصادية والاجتماعية، إذ يُعد قطاع حدائق الزيتون وخاصة زيت الزيتون من القطاعات التي توفّر أكثر من (1 مليون) فرصة عمل سنويًا، كما أنها تُشكّل مصدرًا أساسيًا للدخل خاصة لدى السكّان الريفيين.
ويمثل قطاع الزيتون ومشتقاته مصدرًا مهمًا للعديد من الأطعمة الصحية، كما تم إدراج مواسم الزيتون بكونها جزءًا من التراث الثقافي غير المادي في منظمة اليونسكو.
ومن الجدير بالذكر أن شجر الزيتون يواجه العديد من التحديات والمخاطر التي تهدد وجوده، وأبرزها: مشاكل التعرية وفقدان خصوبة التربة، تدهور التنوع البيولوجي وفقدان المناظر الطبيعية، إلى جانب تلوّث الهواء والماء والتربة.
وفي ضوء الأهمية اللامتناهية لهذه الشجرة، قرر المؤتمر العام لليونسكو خلال دورته الأربعين عام (2019) إعلان يوم (26 تشرين الثاني) من كلّ عام يومًا عالميًا لشجرة الزيتون.
وذلك بهدف التشجيع على حماية هذه الشجرة، وتعزيز كافة القيم السامية والإنسانية التي ترمز إليها، وتقديرها على ما تقدمّه من فوائد اجتماعية وثقافية واقتصادية وبيئية في العالم.